رصاصٌ ينتظر الجوعى في طوابير “الإنسانية”

 

رصاصٌ ينتظر الجوعى في طوابير “الإنسانية”

 

 

تشهد الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تصاعدًا خطيرًا، لا سيّما مع تكرار حوادث إطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين الباحثين عن لقمة العيش، في مشاهد تعكس عمق المأساة التي يعيشها سكان القطاع المحاصر منذ سنوات. فقد سُجّل في الأيام الأخيرة عدد متزايد من حالات القتل بحق فلسطينيين كانوا ينتظرون الحصول على المساعدات الغذائية من نقطة توزيع تُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، ما أثار موجة غضب واسعة محليًا ودوليًا.

 

وبحسب مصادر ميدانية وشهود عيان، فإن الضحايا كانوا ضمن حشود مدنيين اصطفوا في طوابير طويلة تحت الشمس لساعات، أملًا في الحصول على سلة غذائية أو معونة بسيطة تسد الرمق في ظل شحّ المواد الأساسية، وانهيار البنية التحتية، وغياب تام لأي مظلة حماية فعلية للفقراء والمنكوبين.

 

وأشارت مصادر طبية في غزة إلى أن عشرات المدنيين أُصيبوا برصاص حي خلال تلك الحوادث، بينما لقي عدد آخر مصرعهم في ظروف قاسية وصفها مراقبون بأنها ترقى إلى “عمليات إعدام جماعي جوعًا وظلمًا”، وتتنافى مع أبسط مبادئ القانون الإنساني الدولي، وسط صمت رسمي ودولي مقلق.

 

ويُعتبر هذا التصعيد امتدادًا لمسار طويل من الاستهداف الممنهج للفلسطينيين في القطاع، خصوصًا خلال محاولاتهم المتكررة للوصول إلى المساعدات، سواء التي تسقطها الطائرات أو التي يجري توزيعها عبر قنوات إنسانية. لكن المفارقة القاتلة – كما وصفها البعض – أن يُقتَل المدنيون في أماكن يُفترض أنها آمنة ومخصصة للإغاثة، خاصة حين تحمل اسمًا كمؤسسة “غزة الإنسانية”.

 

وتُثير هذه الحوادث تساؤلات كبيرة حول طبيعة الجهة المسؤولة عن تأمين المساعدات، والجهات التي تُشرف فعليًا على عمليات التوزيع، خاصة في ظل تعدد الفاعلين داخل غزة، ما يفتح المجال أمام الفوضى والتمييز وحتى الانتهاكات الجسيمة بحق الفقراء والمحتاجين.

 

في السياق، قال أحد سكان غزة الذين كانوا شاهدين على إحدى تلك العمليات: “أُطلق الرصاص على الناس فجأة، لم تكن هناك فوضى حقيقية، فقط الجوع، كان الناس يصرخون من أجل الخبز، فوجدوا الموت بدلًا منه.” هذه الكلمات اختصرت بشاعة الموقف الذي يتكرر يوميًا في مناطق مختلفة من القطاع، وسط عجز المنظمات الإغاثية عن ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بأمان.

 

من جانبها، أعربت منظمات حقوقية وإنسانية عن بالغ قلقها إزاء تكرار هذه الحوادث، ودعت إلى إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة لتحديد المسؤوليات وضمان عدم إفلات أي جهة من المحاسبة. وطالبت تلك الجهات بتوفير ممرات إنسانية آمنة، وإشراف دولي مباشر على توزيع المساعدات، لتفادي وقوع المزيد من الضحايا بين صفوف المدنيين الأبرياء.

 

كما ناشد نشطاء فلسطينيون المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها الإغاثية، إلى التدخل العاجل والفوري، ليس فقط لتوفير الغذاء، بل لحماية أرواح من باتوا يقفون في طوابير الموت بحثًا عن الرغيف، مؤكدين أن صمت العالم لم يعد يُحتمل.

 

وتواجه غزة منذ بدء العدوان الأخير ظروفًا مأساوية مركبة، تشمل الحصار، وانهيار النظام الصحي، ونفاد الوقود، وتدمير البنى التحتية الأساسية، فضلًا عن نزوح داخلي واسع النطاق، ما جعل قرابة 80% من سكان القطاع يعتمدون بشكل شبه كلي على المساعدات الخارجية.

 

ويخشى مراقبون أن تكون هذه الحوادث مقدمة لمزيد من الفوضى والانهيار الاجتماعي، في حال لم تتحرك الأطراف المعنية، بما فيها السلطة الفلسطينية والهيئات الأممية، لمعالجة الخلل العميق في إدارة الشأن الإغاثي داخل غزة، وتوفير الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لمن فقدوا كل شيء.

 

وفي ظل هذا الواقع المأساوي، باتت عبارة “مساعدات إنسانية” تُقرأ في عيون الجائعين لا بوصفها أملًا، بل كمشهدٍ محفوف بالخطر، وموعدًا مع الموت.

 

 

 

Related Posts

رسائل البحر… قبطان يحذر من صمتٍ يسبق العاصفة

  رسائل البحر… قبطان يحذر من صمتٍ يسبق العاصفة     أثارت مقاطع مصوّرة نشرها قبطان مصري على منصات التواصل الاجتماعي ضجة كبيرة خلال الساعات الماضية، بعد أن زعم فيها…

عادوا إليه… فبكى الوطن في عينيه

عادوا إليه… فبكى الوطن في عينيه   السودان : في وطنٍ أنهكته الحرب وأعياه النزوح، وفي زاوية صغيرة من مدينةٍ باتت لا تشبه نفسها، وقف هو، صامدًا، لا يحمل سلاحًا،…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أخبار منوعة

عودة تجار سوق ليبيا

  • يوليو 4, 2025

حنان النيل.. صوت من الدامر يعانق وجدان السودان

  • يوليو 4, 2025
حنان النيل.. صوت من الدامر يعانق وجدان السودان

بشريات لأهالي الخرطوم: انطلاق أعمال صيانة الكهرباء في شوارع الصحافة

  • يوليو 4, 2025
بشريات لأهالي الخرطوم: انطلاق أعمال صيانة الكهرباء في شوارع الصحافة

رسالة مائية تُنعش كسلا من عمق القاش

  • يوليو 4, 2025
رسالة مائية تُنعش كسلا من عمق القاش

شاهد بالصور: نظافة كبري الحلفايا وعودة الرحلات النيلية والجلسات العائلية

  • يوليو 4, 2025
شاهد بالصور: نظافة كبري الحلفايا وعودة الرحلات النيلية والجلسات العائلية

أصلة عملاقة تثير الرعب في نهر النيل… شاهد صورة الثعبان الذي تم اصطياده بجزيرة نقزو جنوب المتمة

  • يوليو 4, 2025
أصلة عملاقة تثير الرعب في نهر النيل… شاهد صورة الثعبان الذي تم اصطياده بجزيرة نقزو جنوب المتمة

بسالة شرطي مرور تنقذ سائق جرار من موت محقق وسط جبال العقبة

  • يوليو 4, 2025
بسالة شرطي مرور تنقذ سائق جرار من موت محقق وسط جبال العقبة

رسائل البحر… قبطان يحذر من صمتٍ يسبق العاصفة

  • يوليو 4, 2025
رسائل البحر… قبطان يحذر من صمتٍ يسبق العاصفة

هل فقدت سيارتك خلال الحرب في السودان؟ إليك قائمة كاملة بالأرقام والشواهد للتعرف عليها

  • يوليو 4, 2025
هل فقدت سيارتك خلال الحرب في السودان؟ إليك قائمة كاملة بالأرقام والشواهد للتعرف عليها

رصاصٌ ينتظر الجوعى في طوابير “الإنسانية”

  • يوليو 4, 2025
رصاصٌ ينتظر الجوعى في طوابير “الإنسانية”