عودة تجار سوق ليبيا
شهد “سوق ليبيا” الشهير في العاصمة السودانية الخرطوم – وتحديدًا في منطقة أم درمان – مؤشرات تعافٍ تدريجية خلال الأيام الماضية، وسط حالة من الحذر والترقب بين التجار والمواطنين على حد سواء. ويُعد سوق ليبيا واحدًا من أكبر الأسواق التجارية في السودان وأكثرها حيوية، وقد تأثر بشكل مباشر بتداعيات الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، التي تسببت في شلل شبه تام للحركة الاقتصادية في معظم ولايات البلاد.
ومع تحسّن نسبي في الأوضاع الأمنية ببعض مناطق أم درمان، بدأت ملامح الحياة تعود تدريجيًا إلى السوق، حيث أعيد افتتاح عدد من المحال التجارية، كما لاحظ المواطنون تدفقًا محدودًا للبضائع القادمة من ولايات غرب السودان، ما أعاد الأمل في إمكانية استعادة النشاط التجاري الذي كان السوق يتمتع به قبل اندلاع الحرب.
وقال عدد من التجار في السوق إن حركة البيع والشراء ما تزال محدودة لكنها أفضل من الشهور الماضية، مؤكدين أن الانفراج النسبي في الطرق المؤدية إلى أم درمان سمح بدخول بعض الشاحنات المحمّلة بالمواد الغذائية، والسلع الاستهلاكية، وقطع الغيار، وهو ما ساعد في إعادة فتح المحال المغلقة.
ويُعتبر سوق ليبيا مركزًا حيويًا لتجارة الجملة والتجزئة، خاصة في ما يتعلق بالبضائع المستوردة من دول غرب إفريقيا مثل نيجيريا ومالي والنيجر، حيث تنتقل هذه البضائع عبر الحدود الغربية للسودان، لتجد طريقها إلى المستهلكين في العاصمة وبقية الولايات. وقد شكل هذا الامتداد الإقليمي ركيزة أساسية في قوة السوق وتنوع معروضاته.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن تعافي سوق بحجم سوق ليبيا يعد مؤشرًا مهمًا على إمكانات التعافي المحلي في الاقتصاد السوداني رغم حجم الدمار والانهيار الذي طال مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية. ويؤكد هؤلاء أن الأسواق الشعبية والمراكز التجارية تمثل مقياسًا ميدانيًا لحركة المال والطلب الاستهلاكي، وهو ما يجعل أي تحسن فيها ذا دلالة اقتصادية واجتماعية.
لكن رغم هذا التحسّن النسبي، لا تزال التحديات ماثلة، حيث يعاني التجار من غياب السيولة النقدية، وارتفاع أسعار السلع بسبب كلفة النقل من المناطق البعيدة، بالإضافة إلى استمرار مخاوف الانفلات الأمني، والقلق من تجدد المواجهات في أي لحظة، مما يجعل بيئة العمل غير مستقرة.
وأشار بعض المتعاملين في السوق إلى أنهم اضطروا لتقليص الكميات المعروضة، والتركيز على السلع الأساسية التي تشهد طلبًا ثابتًا مثل الدقيق، السكر، الزيوت، والمنتجات البسيطة، فيما تراجع الإقبال على الكماليات والأجهزة الإلكترونية والملابس، نتيجة لتراجع القوة الشرائية لدى المواطنين.
من جهة أخرى، طالب عدد من التجار الجهات المسؤولة بتأمين السوق ومحيطه، وتوفير نقاط شرطة ثابتة، وتسهيل حركة البضائع من وإلى السوق، خاصة أن تعافي السوق لا يرتبط فقط بالعرض والطلب، وإنما بمدى توفر بيئة آمنة ومستقرة للعمل التجاري.
ويأمل المواطنون في أن يشكل تحسّن الوضع في سوق ليبيا بادرة نحو استعادة النشاط الاقتصادي في بقية أسواق العاصمة مثل سوق أم درمان الكبير، وسوق سعد قشرة، وسوق بحري، وغيرها من الأسواق التي لا تزال شبه مشلولة بسبب القتال الدائر في أجزاء من العاصمة الخرطوم.
في السياق، دعا اقتصاديون الحكومة الانتقالية والمنظمات الدولية إلى دعم صغار التجار والمتضررين من الحرب، عبر قروض صغيرة، وإعادة تأهيل المراكز التجارية، وتوفير وسائل نقل وتأمين فعالة، للمساعدة في تنشيط الاقتصاد الشعبي الذي يمثل شريان الحياة لكثير من الأسر السودانية.
ويُنظر إلى تعافي سوق ليبيا، ولو جزئيًا، كمؤشر يحمل طابعًا رمزيًا ورسالة ضمنية بأن العودة ممكنة، وأن عجلة الاقتصاد السوداني رغم تعثّرها لا تزال قادرة على الدوران إذا ما توفرت الظروف الملائمة والإرادة الجماعية للمضي نحو الاستقرار.