
تحالفات الفوضى في زمن الحرب
قال خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي البارز في قوى الحرية والتغيير، إن الدولة السودانية فقدت سيطرتها على أدوات العنف المشروع، مشيرًا إلى أن السلاح أصبح في متناول الجميع، ما يعكس انهيارًا خطيرًا في هيبة الدولة ومؤسساتها السيادية.
وفي تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”، أوضح خالد عمر أن الوضع الحالي ناتج عن تسليح جماعات مسلحة متعددة من قبل قيادة الجيش، لكنه تسليح “خارج الأطر النظامية”، بحسب تعبيره، ولا يتم وفق تسلسل القيادة والانضباط العسكري المتعارف عليه.
وقال: “شرعت قيادة الجيش في تسليح جماعات مسلحة عديدة لا تخضع لإمرتها وفق التراتبية العسكرية المعلومة، بل صار الأمر أقرب إلى تحالفات سياسية هشة بين جماعات مسلحة، لا يخضع فيها أحدٌ لأحد، وتُبنى العلاقة فيها على أساس المساومات والمنافع المتبادلة”.
ويأتي تصريح خالد عمر في وقت يشهد فيه السودان تصاعدًا خطيرًا في وتيرة الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حيث تحوّلت أجزاء واسعة من البلاد إلى ساحات مفتوحة للنزاع، وسط تزايد تقارير عن انتهاكات ومواجهات مسلحة بين جماعات محلية في غياب سلطة مركزية فاعلة.
وأضاف نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني أن هذا المشهد يعيد إلى الأذهان سيناريوهات الانهيار الكامل للدولة، حيث يصبح السلاح الوسيلة الوحيدة لفض النزاعات وتحصيل الحقوق، مما يخلق بيئة خصبة للفوضى وتفكك النسيج الاجتماعي.
واعتبر عمر أن فقدان الدولة لاحتكار العنف المشروع يعد علامة فارقة وخطيرة في مسار الصراع الدائر، حيث انتقلت أدوات السيطرة من المؤسسات إلى كيانات مسلحة غير منضبطة، ترتبط بالمصالح أكثر من انتمائها لأي مشروع وطني جامع، وفق وصفه.
وحذّر من أن استمرار هذا النهج سيقود البلاد إلى مستقبل مظلم يشبه تجارب انهيار الدولة في دول مجاورة، حيث يصبح من المستحيل إعادة بناء مؤسسات الدولة في ظل واقع مليء بالمليشيات المسلحة التي ترفض الانصهار في مؤسسات وطنية موحدة.
وطالب خالد عمر القوى السياسية والمدنية بأن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية في هذه المرحلة المفصلية، والعمل على وقف نزيف السلاح والانفلات الأمني، داعيًا إلى حوار شامل حول مستقبل المؤسسة العسكرية، وإعادة بناء العقيدة القتالية السودانية على أسس مهنية واحترافية بعيدًا عن التحالفات السياسية والجهوية.
وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع تزايد التحذيرات الدولية من تحوّل السودان إلى ساحة لصراعات إقليمية وأهلية متداخلة، في ظل غياب سلطة مركزية، وتعطُّل المسار السياسي الذي أُجهض بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023.
وكانت تقارير إعلامية وحقوقية قد رصدت في الأسابيع الماضية ظهور مجموعات مسلحة جديدة في عدد من الولايات، بعضها يرتبط بجهات حكومية أو حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا، ما فاقم من تعقيد المشهد العسكري والسياسي في البلاد.
ويُعد حزب المؤتمر السوداني أحد الأحزاب المدنية المنضوية تحت تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، وقد لعب دورًا محوريًا في المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام البشير في 2019، قبل أن تدخل البلاد في سلسلة من الانقلابات والانقسامات السياسية التي مهّدت لاحقًا لانفجار الحرب الحالية.
وتعكس تصريحات خالد عمر تنامي القلق وسط القوى السياسية والمدنية من تحوّل الحرب إلى نمط دائم من الفوضى المسلحة، تتقاسم فيه الجماعات النفوذ على حساب وحدة الدولة ومؤسساتها، في وقت تعاني فيه البلاد من أسوأ أزمة إنسانية في تاريخها الحديث، بحسب تقارير أممية.