
حين تنهض الجدران من بين الركام… أيادٍ تعيد الحياة
تتواصل في العاصمة السودانية الخرطوم، وتحديدًا في مستشفى الشعب التعليمي، واحدة من أبلغ صور الإرادة المجتمعية، حيث يواصل متطوعون سودانيون من مختلف التخصصات تنفيذ عمليات صيانة وتأهيل واسعة للمستشفى، بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت به جراء الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وشهد المستشفى، وهو أحد أعرق وأكبر المستشفيات التخصصية في السودان، دمارًا كبيرًا في بنيته التحتية نتيجة للقصف، وسقوط أجزاء من أسقفه، إلى جانب نهب محتوياته في ظل تدهور الأوضاع الأمنية. ورغم كل ذلك، لم تمنع تلك التحديات الفرق المدنية والكوادر الطبية والمهندسين من إطلاق مبادرة لإعادة تأهيل هذا المرفق الحيوي.
وأكد شهود عيان أن العمل يجري بوتيرة متصاعدة في أقسام متعددة، أبرزها قسم الطوارئ والعناية المكثفة، والعيادات الخارجية، حيث يشارك عشرات المتطوعين، بينهم أطباء، مهندسون، عمال، وشباب من المجتمع المحلي، في إعادة تنظيف، إصلاح، وطلاء الجدران، وتركيب الإمدادات الكهربائية والصحية، وسط نقص حاد في المعدات والإمكانات.
وقد انتشر مقطع فيديو يوثق جانبًا من هذه الأعمال التطوعية، ولاقى تفاعلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثير من المعلقين عن إعجابهم بروح الصمود التي يبديها السودانيون في مواجهة الانهيار الخدمي والصحي، مؤكدين أن ما يقوم به هؤلاء المتطوعون يمثل بارقة أمل في نفق الحرب المظلم.
وأوضح أحد المشاركين في المبادرة، أن الهدف ليس فقط إعادة تأهيل المبنى، بل تجهيز جزء من المستشفى ليعود لتقديم الخدمة المجانية للمرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض القلب والتنفس، ممن تضرروا بشكل مباشر نتيجة تعطل المستشفيات ونقص الأدوية المنقذة للحياة.
ويُعد مستشفى الشعب مركزًا مرجعيًا في السودان، تأسس منذ عقود، ويضم أقسامًا متخصصة في علاج القلب والصدر، كما كان يستقبل آلاف المرضى شهريًا من جميع أنحاء البلاد، ما يجعل إعادة تشغيله أولوية إنسانية وصحية في ظل تدهور النظام الصحي.
ويواجه القطاع الصحي في السودان تحديات جسيمة نتيجة الحرب المستمرة، حيث خرجت أكثر من 70% من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، وفقًا لمنظمات دولية، وسط نزوح الكوادر الطبية، وانقطاع الإمدادات، وتهدم البنية التحتية، مما زاد من اعتماد السكان على المبادرات الأهلية والتطوعية.
ودعت جهات محلية ومنظمات طبية، الجهات الدولية والإنسانية إلى دعم هذه المبادرات، سواء عبر توفير المعدات الطبية أو عبر تمويل عمليات التأهيل، مؤكدين أن النظام الصحي لن يصمد دون مساندة فعلية على الأرض.
من جهتهم، وجّه سكان المناطق المحيطة بالمستشفى رسائل شكر وامتنان للمتطوعين، مؤكدين أنهم يعيدون الحياة لنبض المدينة، وأن هذه الجهود تستحق التقدير والدعم، في وقت غابت فيه الجهات الرسمية عن المشهد.
وتُعد هذه المبادرة جزءًا من موجة تطوعية أوسع تنتشر في العاصمة ومدن أخرى، حيث يُبادر المواطنون بأنفسهم لإصلاح المدارس والمرافق الصحية والأسواق، في ظل فراغ إداري وخدماتي متزايد، وهو ما يُعبّر عن قوة المجتمع السوداني وقدرته على التنظيم الذاتي وقت الأزمات.
وبينما لا تزال الحرب تترك بصمتها القاسية على الخرطوم وبقية المدن، فإن مشهد المتطوعين وهم يُرمّمون مستشفى الشعب يحمل رسالة قوية: أن السودان لا يزال حيًّا، وأن إرادة الحياة تتغلب على ركام الدمار.