تحت الغبار.. وقفا كأنهما لا يشعران بالعاصفة
وسط أجواء من الطقس القاسي والغبار الكثيف الذي لفّ مدينة بورتسودان خلال الساعات الماضية، خطف شرطيّا مرور الأضواء وأثارا إعجاب المواطنين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تم توثيقهما وهما يواصلان أداء مهام تنظيم الحركة المرورية في أحد التقاطعات الحيوية، بإصرار وصبر رغم الظروف المناخية الصعبة.
وانتشرت الصور ومقاطع الفيديو بشكل واسع على المنصات الرقمية، تظهر فيها سحب الغبار تُغطي سماء المدينة بالكامل، فيما ظلّ الشرطيان ثابتين في موقعيهما، يوجهان السيارات والمركبات لضمان الانسياب المروري وتفادي الحوادث، في وقت لجأ فيه كثيرون إلى المنازل هربًا من الأجواء الخانقة.
وقد أبدى المواطنون في المدينة تقديرهم البالغ لتفاني رجلي المرور، مؤكدين أن هذا النوع من الالتزام والانضباط في العمل يمثل نموذجًا يُحتذى، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد على مختلف المستويات.
وكتب أحد رواد مواقع التواصل تعليقًا على أحد المقاطع: “في وقتٍ يعاني فيه الوطن من الفوضى والانهيار، يظهر من رحم المعاناة رجال حقيقيون، يثبتون أن النظام يبدأ من الميدان”. بينما قال آخر: “هؤلاء هم أبطال الظل الحقيقيون، يعملون بصمت دون انتظار مقابل، وتحت الغبار لا تزال أعينهم ترصد النظام والخرق”.
ويُعد هذا المشهد نادرًا في ظل الانهيار الإداري والخدمي الذي طال العديد من المؤسسات نتيجة الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، حيث تسبب تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في غياب مظاهر الانضباط المهني في عدة قطاعات، مما يجعل هذا الموقف محل إشادة واسعة.
وفي اتصال مع مصدر بشرطة المرور بولاية البحر الأحمر، أكد أن الشرطيين لم يغادرا موقعيهما طوال فترة الذروة رغم تحذيرات الأرصاد الجوية من انخفاض مدى الرؤية بسبب الغبار المتصاعد، مشيرًا إلى أن توجيهات القيادة المحلية تشدد على أهمية الحفاظ على تسيير المرور خاصة في الظروف غير العادية، حرصًا على سلامة السائقين والمشاة.
وأضاف المصدر أن الظروف البيئية في مدينة بورتسودان، خصوصًا في فصل الصيف، تتسم بالقسوة، مشيرًا إلى أن الرياح المحملة بالغبار تُعد من أبرز التحديات التي تواجه رجال المرور، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة والاختناقات المرورية في المناطق التجارية والأسواق.
ويؤكد مراقبون أن مثل هذه المشاهد الإيجابية تعيد شيئًا من الأمل والثقة للمواطنين في إمكانية إعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس الالتزام والانضباط والمسؤولية الفردية، وهو ما يحتاجه السودان بشدة في هذه المرحلة الانتقالية المعقدة التي يعيشها.
كما طالب نشطاء ومواطنون الجهات المختصة في وزارة الداخلية والإعلام بتكريم الشرطيين، وتوثيق مثل هذه المواقف لتكون حافزًا لغيرهم في مختلف القطاعات الخدمية، ودعوا إلى إطلاق حملات دعم مجتمعي لمساندة رجال المرور في المدن الذين يواجهون ظروف عمل قاسية دون تجهيزات مناسبة في كثير من الأحيان.
ويُذكر أن بورتسودان تُعد حاليًا المركز الإداري والسياسي البديل للعاصمة الخرطوم، بعد أن أصبحت المدينة مقرًا مؤقتًا لعدد من مؤسسات الدولة والحكومة، في ظل الحرب المستمرة، ما أدى إلى زيادة الضغط على بنيتها التحتية وارتفاع الكثافة المرورية نتيجة انتقال أعداد كبيرة من السكان إليها خلال العام الماضي.
وبينما يواصل الغبار زحفه فوق شوارع المدينة، يواصل رجال المرور أداء مهامهم بصبرٍ وإصرار، ليؤكدوا أن الولاء الحقيقي للوطن يُقاس في لحظات الضيق والتحدي، لا في فترات الاستقرار.