
رواية: بين أنصار السنة والصوفي المشاغب
سودان كور – روايات
في زمنٍ كانت فيه الدعوة تمضي بخطى واثقة، وكان الهدوء عنوان الجلسات الدينية، وجدتُ نفسي، بفضل الله، أمينًا عامًا لجماعة أنصار السنة في إحدى محليات ولاية الخرطوم. أيامٌ لا تُنسى… أيام كان فيها المسجد يمتلئ بالقلوب قبل الأجساد، وكان الناس يأتون للعِلم شوقًا لا عادة.
ذات مساء، في مسجد بحي أبو آدم جنوب الخرطوم، كانت لدينا محاضرة دينية عظيمة. جلس الناس في خشوع، والشيخ يتحدث عن التوحيد ونور السنة. لكن في آخر الصفوف، كان هناك رجل من جماعة الصوفية، جاء لا ليطلب علماً، بل ليعكّر صفو المجلس.
كان يقاطع الشيخ بكلام غير لائق، يتعمد التشويش، ويحاول استفزاز الحاضرين. الناس بدأت تضيق، والهمسات تتعالى: “سكتوه يا جماعة”، “ما بصح كده”. ورغم تنبيهات المصلين، ظل في عناده لا يهدأ.
كنت أجلس في آخر المسجد، أراقب الموقف بهدوء، لكن حين زاد عن حده، قمت. نهضت بخطى حاسمة واتجهت نحوه. وضعت يدي على كتفه وقلت له بصرامة:
– “قم”.
وما إن وقف حتى رفعتُه بكل ما أوتيت من قوة، رفعته كأنني أحمل حقيبة، وأصبح وجهه ويداه وراء ظهري. سرت به بخطى ثابتة نحو الخارج، والمصلون يراقبون المشهد بذهول ودهشة وربما قليل من الضحك المكتوم. أنزلته خارج المسجد وقلت له:
– “تاني، كان راجل، تعال ادخل المسجد.”
ابتعد الرجل عن المسجد، ثم نظر إليّ وقال مستهزئًا:
– “إنت أنصار سنة ولا رباطي؟ تاني ما راجع!”
ضحكت داخلي، وقلت: لا بأس، ما دام الهدوء عاد للمسجد، فليظن ما يشاء.
—
وفي يومٍ آخر، بعد خطبة جمعة بمسجد الفتح في الصحافة شرق، اصطف الناس للصلاة، وكل شيء يسير بانضباط، إلا أن رجلاً تقدّم الصف، رغم أنه لم يكن في مكانه الصحيح. نُبّه بلطف لكنه رفض العودة.
لم أحتج لكلمات كثيرة، اقتربت منه من الخلف، قبضت عليه قبضة قوية، ورفعته عاليًا بخفة، ثم تراجعت خطوتين وأنزلته في مكانه الصحيح وسط الصف، والناس تنظر بدهشة وصمت كامل.
لم يقل شيئًا. وبعد الصلاة، جلست بجواره، وقلت له بلطف:
– “المكاجرة ما محلها المسجد… المسجد بيت الله، هنا نلتزم، نسمع، ونتواضع. تصرفات الشارع خليا برا.”
هز رأسه وقال بهدوء:
– “فاهم.”
—
اليوم، وأنا أكتب هذه الذكريات، أرحّب بكل من يتابعني حديثًا، فهذه المشاهد ليست استعراضًا لقوة البدن، بل دليل على حُرمة المسجد، وهيبة العلم، وواجبنا أن نحفظ قدسية هذه البيوت العامرة بذكر الله.
الكاتب: الشابي
ذكريات من زمن جميل، ما زالت تنبض بالحكمة.